اقتصاد

«التضخم» ما بين الأثر السلبي والظاهرة الصحية

هل تفاجأت يوماً وأنت تسير بأروقة أحد منافذ السلع التجارية ممسكاً بورقة تتضمن احتياجاتك اليومية، وتكتشف أن ميزانيتك للأسبوع الماضي لن تكفي لشراء نفس القدر من احتياجاتك لهذا الأسبوع؟ هي صورة قد تكون تكررت معك ومع الكثيرين غيرك، يقبع وراء تفسيرها مصطلح اقتصادي دارج ألا وهو التضخم.

والتضخم في مفهومه البسيط هو الارتفاع في تكلفة السلع والخدمات ممثلة في الغذاء أو المسكن أو الملبس أو الطاقة أو النقل في فترة معينة بفارق ملحوظ عن فترة سابقة أنفقت فيها مبلغاً أقل للحصول على تلك السلع.

وأسباب التضخم متعددة وليست لها قاعدة واحدة ولا تعكس بالتبعية حتمية وجود خلل اقتصادي ما، بل قد ترتبط أحياناً بالتعافي الاقتصادي فوجود انتعاش بالاقتصاد يزيد من ثقة الناس بالاستقرار، بما قد يدفعهم لزيادة إنفاقهم الاستهلاكي، بدلاً من ادخار الأموال. وهو ما قد يقابله ارتفاع في الأسعار، نتيجة ارتفاع الطلب، ويعرف ذلك «بتضخم الأسعار».

وإذا كانت تلك الصورة هي الأكثر اعتياداً لحدوث التضخم ففي المقابل هناك صور أخرى قد تصب في نهاية المطاف في الأسعار، ونجد «تضخم الكلفة» على سبيل المثال يحدث بنفس النمط ولكن على صعيد المنتجين، فميزانية الإنتاج أمس قد لا تكفي لصنع نفس الكم والنوعية من السلع، مما يجعل المنتج يمرر الزيادة إلى السعر النهائي للسلعة، وترتبط تلك الظاهرة في المعتاد بالأزمات، مثل ما تعرض له الإنتاج العالمي من تداعيات جائحة كورونا أو الحرب الروسية الأوكرانية.

في الوقت الذي نجد أنواعاً أخرى تؤدي لنفس النتيجة من تضخم العملة الناتج عن تراجع قيمتها، أو تأثير السياسات الضريبية وغيرها من الصور لنفس الظاهرة وتأثيرها النهائي.

ويظل التضخم نظرياً في مرحلة التحكم به عندما ينحصر معدله في خانة واحدة أولية من الأرقام، لكن تحول الظاهرة لمرحلة متقدمة تعرف بالتضخم المفرط، يعني أن الأمور قد باتت خارج نطاق السيطرة، فيحدث تقلص سريع ومتلاحق في قيمة العملة، بينما تعجز الأجور في الأساس عن مواكبة نمو التضخم.

ويتمثل الحل لمواجهة التضخم في مبدأ الاستفادة من الأزمات وتطويعها، حيث إن مواجهة التضخم بزيادة الإنتاج تزيد من تواجد السلع والخدمات وتعزز في المقابل مستويات الأجور، بل توسع أيضاً من رقعة الوظائف المتاحة. ومن شأن تلك الآثار مجتمعة أن تعادل الآثار السلبية بما يجعلها تتلاشى.

وباتت الحكومات والبنوك المركزية تتسابق في استحداث وتطبيق الكثير من السياسات النقدية المرنة متضمنة أداة التغيرات بأسعار الفائدة وفق متطلبات السوق، وذلك لكبح جماح الاقتراض وزيادة النقود في أيدي الناس، وبالتالي حفظ قيمة العملة مع وضع خطط طويلة الأجل لتوفر السلع والخدمات، بما يكفل لها في نهاية المطاف مستويات تضخم في نطاق المعدل الصحي الآمن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى