أوموغاندا.. هكذا تفاجئك رواندا في كل مرة
31/8/2024–|آخر تحديث: 31/8/202410:22 م (بتوقيت مكة المكرمة)
كيغالي- كانت شمس اليوم السبت آخر أيام شهر أغسطس/آب بالكاد قد طلعت على كيغالي عاصمة رواندا، حين اتصل بي زميلي الصحفي ستيفن سيباسوري يسألني إن كنت جاهزا للخروج معه في رحلة صباحية مفاجئة.
وافقته للخروج حين وجدته متحمسا، يريد أن يطلعني على سر جديد من أسرار هذه المدينة التي يأسرك جمالها ونظافتها، وحين سألته، أجابني أن اليوم موعد “أوموغاندا”، وحرك سيارته، وانطلق تاركا مجموعة من الأسئلة تدور في خيالي.
شوارع المدينة بدت شبه خالية من السيارات، بينما ينتشر رجال الشرطة بكثافة فيها يرافقهم بعض عناصر الجيش، إذ استوقفتنا نقطة للشرطة، وتحدث الشرطي لزميلي باللغة المحلية، ثم سمح لنا بإكمال رحلتنا، والغريب أن الأمر تكرر عدة مرات.
وصلنا إلى قرية صغيرة على مشارف المدينة، فوجدت سكانها يتوافدون إلى شارع ترابي قد تضرر كثيرا بفعل الأمطار الغزيرة، يحمل كل منهم ما يستطيع استخدامه من أجل المهمة التي جاء لإنجازها، ما بين فأس أو مجرفة أو مكنسة وغيرها.
انتظمت معهم، منتظرا -كما أخبرت- مجيء رئيس المجلس المحلي للقرية السيد سيلستين، الذي كان قدومه إيذانا ببدء العمل على إصلاح الشارع وتنظيفه.
حينها كشف لي ستيفن أن البلاد شبه مغلقة وأن حركة السير تتوقف من الساعة 8 وحتى 11 في جميع أنحائها، لتنفيذ البرنامج الشهري “أوموغاندا”.
وحين قرأ في عيني حيرة لا تقل عن حيرتي حين وافقته على الخروج، أحالني إلى السيد سيلستين، الذي بدأ حديثه يتدفق بحماسة شديدة، يتحدث عن هذا اليوم.
بدأ يشرح لي معنى كلمة أوموغاندا (Umuganda) قال إنها تعني بلغة “كينارواندا” المحلية “الاجتماع معا لتحقيق هدف مشترك”، وأخبرني أن البلاد تكون في عطلة شاملة في صباح يوم السبت الأخير من كل شهر لأداء الخدمة المجتمعية الإلزامية.
وقال إن المشاركة في يوم أوموغاندا مطلوبة بموجب القانون، مشيرا إلى أن فكرة هذا العمل التطوعي قديمة جدا، لكنها تطورت إلى هذا الشكل في عهد الرئيس بول كاغامي في عام 2009.
قادني إعجابي بالفكرة للمشاركة، وحينها أخبرني أحد المشاركين -وهو معلم في إحدى المدارس الثانوية- أن السلطات تشجع غير الروانديين المقيمين في البلاد على المشاركة في هذا اليوم.
علمت من المشاركين، أن أفراد المجتمع يتنادون في هذا اليوم -وفق اتفاق مسبق- للقيام بعمل تطوعي عام، يتضمن أنشطة تعزز تطوير البنية التحتية وحماية البيئة، أو إصلاح وتنظيف المدارس والمراكز الطبية والمباني العامة والمنشآت الحكومية والشوارع وغيرها.
وفي حالات أخرى، يخصص أهل المنطقة اليوم لمساعدة أحد سكان الحي في عمل ما، كإكمال بناء بيته أو إصلاح أرضه، وغير ذلك من الأعمال.
بعد الانتهاء من الأعمال الميدانية، تتحول الفعالية إلى منتدى يجتمع فيه الأهالي لمناقشة الأمور المهمة في الحي أو القرية، وتقييم الأعمال والاتفاق على الفعالية المقبلة.
كما يوفر هذا الاجتماع منبرا للقادة على كل مستوى من مستويات الحكومة، لإطلاع المواطنين على الأخبار والإعلانات المهمة، وأسرّ لي ستيفن أن هذا الاجتماع يمثل فرصة لظهور شخصيات مجتمعية قيادية على مستوى المنطقة المحلية والبلاد بشكل عام.
في ختام هذه الفعالية، تذكرت ما قاله لي الناشط المجتمعي فريدي موتانغوها -نائب رئيس الرابطة الوطنية الشاملة للناجين من الإبادة الجماعية في رواندا- حين قابلته في أول زيارتي للبلاد، قال حينها “النظافة التي تراها في شوارع كيغالي هي انعكاس لما في صدور الروانديين، وهي محاولة من السلطات لمسح أحقاد الماضي من قلوبهم”.
فالحاجة إلى أوموغاندا نبعت من الحاجة إلى ثقافة تصالحية وحدوية تنسي السكان آثار الإبادة الجماعية عام 1994، كما أنها ثقافة تهدف إلى إشراك الناس في “عملية صنع القرار” وتعزيز المشاركة في المجتمع.