بين تحسين حياة الناس وتقديم المهدئات.. فريق اقتصادي جديد بإيران في وجه العقوبات؟
طهران– يواجه اقتصاد إيران مرحلة شديدة التعقيد مع تشابك التحديات الداخلية مع الضغوط الخارجية لتشكل واقعا اقتصاديا صعبا أمام الحكومة الجديدة.
ويتولى الفريق الاقتصادي للحكومة وفي مقدمتهم وزير الاقتصاد مهامهم في ظل اقتصاد مثقل بأعباء العقوبات الدولية المستمرة، والتي أدت إلى تقييد التجارة الخارجية وتدهور قيمة العملة المحلية، مما أفضى إلى تكرار الاحتجاجات على خلفية الأزمة الاقتصادية في السنوات الأخيرة وكذلك إضرابات العمال في مختلف المجالات.
يضاف ذلك إلى ما تعانيه إيران من معدلات تضخم مرتفعة، وبطالة متزايدة، وانخفاض في الاستثمارات، مما يزيد من التحديات التي يجب على الحكومة معالجتها بشكل عاجل.
سياسات متوازنة
وفي هذه البيئة الاقتصادية الصعبة، يُطلب من الفريق الاقتصادي الجديد ابتكار حلول جذرية ومبتكرة لتعزيز النمو الاقتصادي وتحقيق الاستقرار المالي، وتظل أولوياتهم واضحة وهي مواجهة التضخم، إعادة هيكلة النظام المصرفي، وتحفيز القطاعات الإنتاجية.
مع ذلك، فإن المهمة لا تقتصر على معالجة الأزمات الآنية فقط، بل تتطلب، كذلك، وضع إستراتيجيات طويلة الأجل لتحقيق تنمية مستدامة وضمان تحسين مستويات المعيشة للمواطنين.
وفي هذا السياق، سيحتاج وزير الاقتصاد وفريقه إلى تبني سياسات متوازنة تراعي الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية، وتعمل على تحصين الاقتصاد الإيراني من التحديات الخارجية والداخلية المتزايدة.
الفريق الاقتصادي
وخلافا للاعتقاد السائد، فإن الفريق الاقتصادي للحكومة لا يقتصر على وزير الاقتصاد ورئيسي التخطيط والموازنة والبنك المركزي، بل الأهم منهم أن الفريق الاقتصادي للحكومة يضم وزراء يتولون مناصب مسؤولة عن الإنتاج، بشكل مباشر أو غير مباشر.
لذلك، يضم الفريق الاقتصادي وزراء الإنتاج، ومنهم وزراء الصناعة والمعادن والتجارة، والزراعة، والنفط، وهم المسؤولون بشكل مباشر عن قطاعات الإنتاج في البلاد.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الوزراء مسؤولون عن توفير البنية التحتية للبلاد، منها الطرق والتنمية، والاتصالات، والطاقة، والصحة والعلاج، والتعليم العالي، ويهيئون كذلك أرضية الإنتاج في البلاد، والتي تعتبر أهميتها حيوية للغاية للنمو الاقتصادي.
لكن في الوضع الحالي، ربما تكون أهم الوزارات لحل التحديات الملحة للاقتصاد هي وزارة الخارجية، أي الوزير عباس عراقجي وجميع المديرين التابعين له، بما في ذلك نواب الوزراء وسفراء إيران في البلدان الأخرى.
وبما أن اقتصاد البلاد لا يزال يعتمد بشكل كبير على عائدات النفط وقد مرت أكثر من 7 سنوات على تشديد العقوبات، فإن الحد من العديد من المشاكل الاقتصادية أو حلها على المدى القصير يعتمد كليا على رفع العقوبات التجارية والمالية، ولذلك فإن دور وزارة الخارجية حيوي للغاية بالنسبة لاقتصاد البلاد في الوضع الحالي.
وفي ضوء هذه الحقيقة يمكن لوزير الاقتصاد والمستشار الاقتصادي للرئيس ورئيسي البرنامج والميزانية والبنك المركزي، المسؤولين عن السياسات المالية والنقدية للبلاد، توفير أرضية لحل بعض المشاكل الاقتصادية، مثل التضخم والبطالة وعدم المساواة والفقر.
أمل ضعيف
وفي السياق، رأى أستاذ الاقتصاد مرتضى أفقه أن أبرز التحديات الاقتصادية التي تواجه الحكومة الجديدة تتمثل في التضخم الذي ظل عند مستوى 30% أو أكثر لأكثر من 7 سنوات، وانخفاض معدل النمو الاقتصادي، والإحجام عن الاستثمار بسبب استمرار العقوبات ووجود التوترات الإقليمية.
وأضاف في حديثه للجزيرة نت أن هذه الأزمات تضاف إلى عدم استقرار المتغيرات الاقتصادية (مثل مؤشر أسعار السلع الأساسية وسعر العملة)، وعدم الاستقرار الإداري والسياسي وارتفاع البطالة، وعدم المساواة، والفقر، وغيرها من المشاكل.
وأشار إلى أنه في ظل التوتر الإقليمي جراء حرب إسرائيل على غزة وعواقبها على إيران في ذروته، كما أن أفق حل مشكلة العقوبات ليس واضحا ولن يكون كذلك إلا بمرور أشهر على الانتخابات الأميركية.
وأضاف أفقه أنه حتى الرفع الكامل للعقوبات وخفض التوترات الإقليمية، في أفضل الأحوال وبشرط تعيين الحكومة لمديرين تنفيذيين في الوزارات وفي المحافظات والمدن، لا يمكن للحكومة إلا أن تمنع تدهور الأوضاع الاقتصادية.
وبعد أن أصبحت الحكومة على وشك صياغة موازنة العام المقبل، فإن وزير الاقتصاد والرئيس الجديد لمنظمة التخطيط والموازنة إذا تمكنا بمساعدة البرلمان من خفض الإنفاق الزائدة عن الحاجة فإنهما قد يسيطران على عجز الموازنة والتضخم، وفق أفقه.
ومن ناحية أخرى يقول أفقه إنه إذا تمكن وزير الصناعة والمعادن والتجارة بمساعدة المؤسسات المسؤولة الأخرى من إزالة أو تقليل عدد العقبات التي تعترض الأعمال التجارية، يمكن أن تتمكن الحكومة من الحد من التضخم وانخفاض النمو الاقتصادي.
أبرز التحديات
ومن جانبه، عدّ أستاذ الاقتصاد آيزاك سعيديان في حديثه للجزيرة نت النقاط أدناه بصفتها أهم التحديات التي يواجهها الاقتصاد الإيراني:
- عدم توازن الطاقة: من أكبر تحديات الحكومة الإيرانية الجديدة قضية اختلال توازن الطاقة، إذ تعاني إيران، التي تمتلك موارد غنية من النفط والغاز، من أزمة في قطاع الطاقة لأسباب مختلفة، بحيث يتم توفير جزء كبير من استهلاك البلاد من البنزين من خلال الاستيراد.
- انقطاع الكهرباء: شهدت العديد من الصناعات وحتى مشتركي الكهرباء المنزلية في فصل الصيف انقطاعات متقطعة للتيار الكهربائي، في الوقت الذي تدفع الحكومة الإيرانية بشكل كبير إعانات مالية في مجال الطاقة لمواطنيها.
- عدم توازن البنوك: في العقد الماضي، واجه الاقتصاد الإيراني مشكلة تسمى اختلال توازن البنوك، مما أدى إلى رفع التضخم وطباعة النقود في إيران في بعض الأحيان.
-
حجم السيولة: يبلغ إجمالي السيولة في إيران 8 تريليونات تومان، وبسبب الافتقار إلى النمو الاقتصادي وعدم كفاية الناتج المحلي الإجمالي الداخلي، فإن هذا الجزء الكبير من هذا الحجم من السيولة يعتبر غير مدعوم بشكل أساسي.
-
العقوبات الدولية: وفي أعقاب الصراعات الدولية، تعرض الاقتصاد الإيراني لعقوبات عالمية، وأدى ذلك إلى عدم قدرة إيران على المنافسة بشكل جيد في الأسواق العالمية من حيث التجارة والتصدير والاستيراد.
ومن ناحية أخرى، تسببت هذه العقوبات في عدم إظهار المستثمرين أي رغبة في الاستثمار بإيران، كما تسبب هذا الاتجاه في تدفق الأصول من الشعب الإيراني إلى بلدان أخرى.
وتجدر الإشارة إلى أن العقوبات تسببت في عدم إظهار شركات الطاقة الكبرى في العالم أي اهتمام بالاستثمار في صناعات النفط والغاز الإيرانية، بسبب الخوف من قوانين العقوبات، ومن المؤكد أن تطوير صناعات النفط والغاز الإيرانية على المدى الطويل يمكن أن يزيد بشكل كبير من كفاءة هذه الصناعة في إيران.
وزير الاقتصاد
في سياق متصل، لفت أستاذ الاقتصاد سعيديان أن وزير الاقتصاد الجديد عبد الناصر همتي كان في السابق رئيسا للبنك المركزي، وانخفضت قيمة العملة الوطنية الإيرانية في عهده بشكل كبير.
وأضاف سعيديان أن همتي خلال فترة عمله كرئيس للبنك المركزي لم يتمكن من السيطرة على معدل التضخم القوي في المجتمع الاقتصادي الإيراني، على الرغم من أنه لا يمكن اعتبار دور العقوبات العالمية في هذه الفترة غير فعال.
وبحسب قول همتي، فإن تركيز البنك المركزي الإيراني في الفترة المذكورة كان فقط الحفاظ على احتياطيات البنك.
وفي الختام، رأى أستاذ الاقتصاد أن في الوقت الحاضر، ووفقا للعقوبات الحالية، وعدم قبول إيران لاتفاقية مجموعة العمل المالي “فاتف” (FATF)، ووصول إيران إلى حجم سيولة لا يمكن دعمه عمليا، وبسبب عدم توازن البنوك وكذلك قطاع الطاقة، فمن غير المتوقع أن ينجح هو والحكومة الجديدة في تحسين معيشة الناس، وستكون خططهم التنفيذية بمثابة مهدئ للاقتصاد الإيراني.