اقتصاد

شركات المحاسبة تقاوم إصلاحات التدقيق

ولّت الأيام التي كان يستطيع فيها رؤساء الشركات فصل المديرين غير التنفيذيين، كما فعل رجل الأعمال البريطاني المتمرد تيني رولاند في ثمانينيات القرن العشرين، باعتبارهم مجرد «زينة على شجرة عيد الميلاد».وبعد جولات من إصلاح حوكمة الشركات، لم يعد أعضاء مجلس الإدارة المستقيلون مجرد ديكور، بل ركيزة أساسية لثقتنا في الأسواق العامة.

ورغم ذلك، من الواضح أن رؤساء شركات التدقيق الأمريكية، الذين يلعبون دوراً لا يقل أهمية في نزاهة أسواق رأس المال، عبر التدقيق في حسابات الشركات، مترددون في إضفاء الطابع الرسمي على الرقابة الخارجية.

وستفرض قاعدة جديدة، وافق عليها «مجلس الرقابة على حسابات الشركات العامة»، وهي الهيئة الأمريكية لتنظيم منح التراخيص للمدققين، على كل الشركات الكبرى إنشاء هيئة للإشراف على مراقبة الجودة، والتأكد من أن شخصاً واحداً على الأقل من أعضاء هذه الهيئة يأتي من خارج الشركة.

وتشكل هذه القاعدة جزءاً من عملية إعادة صياغة أوسع لمعايير مراقبة الجودة التي كتبتها صناعة التدقيق بنفسها قبل عقود من الزمن، والتي لم يتم تحديثها إلا الآن، بواسطة مجلس الرقابة على حسابات الشركات العامة، بعد نحو 20 عاماً من إنشاء الهيئة، عقب فضيحة «إنرون».

وحاول عدد من الشركات الكبرى، بما في ذلك «برايس ووترهاوس كوبرز» و«بي دي أو»، إلغاء هذه القاعدة في اللحظات الأخيرة، في خطوة أثارت الدهشة بين بعض مجموعات المستثمرين الذين أشاروا إلى أن شركات عديدة كانت تتباهى بالفعل بوجود هيئات تبدو مشابهة لما يتم اقتراحه.

وفي يونيو الماضي، قالت شركة «بي دي أو»، إنها وظفت عضواً خارجياً ثانياً في مجلسها الاستشاري لجودة التدقيق «ليقدم مدخلات» حول نظام التدقيق في الشركة، التي تحاول تحسين نتائجها في عمليات التفتيش التي يقوم بها مجلس مراقبة حسابات الشركات العامة. كما طلبت شركة «برايس ووترهاوس كوبرز» من الهيئات التنظيمية العالمية، تسهيل تعيين المزيد من الأشخاص من خارج الشركة في مجموعاتها الاستشارية ومجالس إدارتها، قائلة إنهم يساعدون في جعل المناقشات «أقل انعزالية».

ورغم ذلك، كانت هاتان الشركتان بين الشركات الست الكبرى في صناعة التدقيق، الذين تقدموا بالتماس، مع الاتحاد التجاري لصناعة التدقيق، إلى لجنة الأوراق المالية والبورصات، لإلغاء هذه القاعدة. كما حذرت غرفة التجارة من أن القاعدة ستكون في «خطر قانوني»، إذا لم تُجرِ لجنة الأوراق المالية والبورصة تحليلاً مستقلاً للتكاليف والفوائد.

ويجب أن توافق لجنة الأوراق المالية والبورصة على جميع معايير مجلس الرقابة على حسابات الشركات العامة قبل أن تدخل حيز التنفيذ، ورغم أنها لم تعترض أبداً على قرارات المجلس من قبل، إلا أن الجدل تسبب في تأخير الموافقة.

ورد مجلس الرقابة على حسابات الشركات العامة هذا الشهر، بدفاع من 28 صفحة، عن هذه القاعدة الجديدة، وحث لجنة الأوراق المالية والبورصة على الموافقة. وبالكاد تمكن المجلس من إخفاء استيائه في مواضع قليلة من دفاعه. وقال إن «بعض الشركات اختارت بالفعل دمج عناصر رقابة مستقلة في هياكل الحوكمة الخاصة بها، ووجود هذه الأدوار وتنوعها، يدل على أن تنفيذ هذا الشرط… أمر ممكن، وليس غير واقعي».

وتطلب الصيغة اللغوية المحددة لهذه القاعدة، أن تقدم الشركات تقارير إلى هيئات الإشراف الخاصة بها حول فعالية نظامها لمراقبة الجودة، وأن تقوم الهيئات المشرفة بتقييم «الأحكام المهمة التي تم اتخاذها، والاستنتاجات ذات الصلة التي توصلت إليها الشركة» في هذه التقرير. ووصف مجلس الرقابة على حسابات الشركات العامة ذلك بأنه «خط الأساس».

ومن خلال تحويل المجالس الاستشارية التطوعية إلى وظائف رقابية إلزامية، يقوم مجلس الرقابة على حسابات الشركات العامة، بزيادة المتطلبات بشكل صريح على الأعضاء الخارجيين، ما يعني أنه يجب دفع أجور أعلى لهم، وتوفير تأمين المسؤولية المهنية. ويعتقد بعض المعارضين الذين قدموا التماساً إلى لجنة الأوراق المالية والبورصات، أن هذه الطبقة الإضافية من الرقابة ليست مجدية.

لكن الأغلبية تجادل بأن مجلس الرقابة على حسابات الشركات العامة لم يبذل جهداً كافياً، لتوضيح كيفية عمل الوظيفة الرقابية الجديدة بالضبط. واكتشف المجلس تحت قيادة الرئيسة المعينة من قبل إدارة بايدن، إيريكا ويليامز، مزيداً من الانتهاكات لمعايير التدقيق، وفرض غرامات أكثر صرامة على المدققين بسببها.

وتشعر الشركات بالقلق من أن مفتشي المجلس سيفحصون عمل هيئات الرقابة الجديدة، بحثاً عن أي مخالفات أو ثغرات أخرى، يمكن استغلالها ضدهم في المستندات. فالمخاطر المالية اليوم، أصبحت أكبر، ومستوى الثقة أقل مما كان سابقاً.وفي ظروف أخرى، يجب أن يكون هذا الأمر قابلاً للحل، من خلال توجيهات مكتوبة من قل المجلس قبل دخول القاعدة حيز التنفيذ، ومراجعة لاحقة بعد التنفيذ، إذا كان هناك دليل على أنها تحتاج إلى تعديل.

لكن الصناعة ليست لديها رغبة للتراجع، وكجزء من جهود مجلس الرقابة على حسابات الشركات العامة لتحديث المعايير التي مضى عليها عقود من الزمان، هناك تغييرات أكثر جوهرية قادمة في المستقبل، بما في ذلك قاعدة جديدة تجبر الشركات على تحمل مسؤولية إضافية للكشف عن الاحتيال وعدم الامتثال التنظيمي في الشركات التي تدققها.

ويعتبر البعض أن هذه فرصة لتذكير مجلس الرقابة على حسابات الشركات العامة، بأهمية التدقيق في أدق التفاصيل. وتود ويليامز التأكيد على أن مجلس الرقابة على حسابات الشركات العامة، يستخدم كافة الوسائل المتاحة لمحاسبة شركات التدقيق، لكنها اكتشفت الآن أن هذه الشركات تستخدم كل ما في وسعها لعرقلة جهود المجلس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button