منوعات

ماذا أكل الناس قديماً!

لا شيء يسقط أو يُنسى أو يتلاشى من تلقاء ذاته، فالورق الذي كتبنا عليه رسائلنا وذكرياتنا ويومياتنا لا يُمحى إذا حفظناه جيداً، ولا يحترق ذاتياً إلا إذا أشعل عند درجة حرارة معينة، والحي الذي سكناه يوماً ثم انتقلنا منه لا يسقط من الذاكرة إلا إذا أسقطناه نحن وأهملناه، ولم نعد نتذكره أو نزوره نهائياً، ساعتها يصير شيئاً غير موجود أو غائباً عن البال، في الوقت الذي لا يزال ماثلاً على الأرض، الوجبات والأكلات التي كانت تعدها الجدات وتطهوها الأمهات، وتتناولها العائلة في زمن ما، لم تعد موجودة على موائد اليوم، لم يعد أحد يعرفها أو يتذكرها أو يطلبها، استُبدلت بأكلات المطاعم، وكتب الطبخ، ووصفات مواقع التواصل، فسقطت من الذاكرة ونسيناها!

الطعام جزء من الثقافة، وهو تجلٍّ حقيقي من تجليات الهوية أيضاً، إنه الجزء الذي يميز المجموعات البشرية في كل مكان، فلطعام الهنود وصفاته وروائحه وطعمه، وكذلك طعام اليابانيين والصينيين والإيرانيين…، يطبع الطعام حضوراً ثقافياً لأصحابه في الخريطة الثقافية الإنسانية على كوكب الأرض، وهو أمر بالغ الأهمية، فبعيداً عن كون الطعام سبباً لاستمرار حياة الكائن فإنه مقياس على تحضره وتطوره.

لقد تتبع الأنثروبولوجيون أول طعام وجد على كوكب الأرض، هل لكم أن تتخيلوا ذلك؟ وماذا اكتشفوا؟ إنها وجبة من الطحالب الخضراء والبكتيريا تناولها حيوان من الرخويات قبل أكثر من نصف مليار سنة، لا شيء يُنسى أو يسقط من محافظ الوجود، والطعام واحد من محافظ الذاكرة والحضارة أيضاً، كما أن العلماء يعتبرون أن تحضر الإنسان قد ترافق مع اكتشاف النار، وأن طهي الطعام للمرة الأولى قد نقل البشرية خطوة إلى الأمام في طريق التحضر والتمدن، لأنه قبل ذلك كان الإنسان يتناول أكله نيئاً!

هذه دعوة لإشعال الذاكرة، واستعادة تفاصيل المائدة والأطعمة التي كانت توضع في بيوتنا قديماً ويجلس حولها أفراد العائلة، تلك الأطعمة التي على بساطتها قد شكلت هوية وذاكرة ودرجة عالية من درجات تحضر المجتمع في تلك السنوات، بدليل أنها لم تسبب للناس التخمة أو السمنة أو الأمراض الخطيرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى