قضايا الهجرة وسلبيات محاولة التوفيق بين المصالح الانتخابية والاقتصادية
في مختلف البلدان الغنية، يجد الساسة أنفسهم في مأزق حرج، فالناخبون يطالبون بخفض معدلات الهجرة، ثم يعترضون بشدة كلما حاولت الحكومة اتخاذ خطوات فعلية للحد منها. وبعض القادة، مثل جورجيا ميلوني في إيطاليا، لا يكلفون أنفسهم عناء المحاولة، في حين سعى آخرون، مثل ريشي سوناك، إلى تقليل الأعداد الإجمالية، مع ترك الباب موارباً أمام المهاجرين المطلوبين لملء الوظائف الشاغرة، أو دفع رسوم الدراسة في الجامعات.
ويخلق هذا التوازن العديد من المشاكل، لا سيما أنه يقوض ثقة الجمهور عندما يفشل الساسة في الوفاء بوعودهم. وحتى لو لم يواجه كل سياسي يقدم وعوداً جذابة للحد من الهجرة هزيمة قاسية، مثل سوناك، فإنهم جميعاً يخاطرون بكارثة انتخابية محتملة.
والأهم من ذلك، أن النظر إلى سياسة الهجرة، باعتبارها مجرد محاولة للتوفيق بين الواقعين الانتخابي والاقتصادي، يعني أن الحكومات غالباً ما تتجاهل أهم جوانبها. والاختبار الحاسم لسياسة الهجرة هو كم من السهل تكوين أشخاص مثل ساجد جاويد (هو ابن لأب مهاجر جاء إلى المملكة المتحدة لسد نقص معين في العمالة، وفي هذه الحالة، لشغل وظيفة سائق حافلة).
لاحقاً، أصبح جاويد الابن مصرفياً ناجحاً، ووزيراً في حكومة المحافظين. وتحقق الولايات المتحدة نتائج استثنائية في هذا الجانب من الحراك الاجتماعي، ففرصة أبناء المهاجرين الأكثر فقراً للوصول إلى الخُمس الأعلى دخلاً بحلول منتصف الثلاثينيات من العمر، تعادل ضعف فرص أقرانهم المولودين داخل البلاد.
ولا أقصد أن جميعنا ممن لديهم آباء أو أجداد من بلدان أخرى، لا بد أن نرتقي من أدني الوظائف إلى القمة، حتى تصبح سياسة الهجرة في أي دولة «ناجحة». ولكن بشكل عام، فإن الاختبار الحقيقي لنجاح هذه الاستراتيجية، يتلخص في: أولاً، ما إذا كان الأفراد مندمجين في البلد ككل، وثانياً، ما إذا كانوا يكسبون أكثر من آبائهم. وللتعبير عن ذلك على طريقة وزير المالية، هل هم «أطراف مساهمة صافية» في الماليات العامة؟
وبالطبع، يعكس جزء من هذا حقائق أوسع عن المجتمع ككل. ففي الولايات المتحدة، جميع الأطفال المولودين ضمن أدنى شريحة من الدخل، لديهم فرصة بنسبة ستة من عشرة للخروج منها، ما يعني أنه ليس من الصعب على أي شخص اجتياز هذا الاختبار، بغض النظر عن مسقط رأس والديه.
إن تحقيق الاندماج المناسب، هو، جزئياً، نتيجة طبيعية لاتخاذك خيارات سياسية شاملة وصحيحة. فالاقتصاد القوي وبيئة العمل التي تضمن التعيين والتوظيف العادل، هما أفضل السبل لنجاح الدولة. كما يتعلق الأمر بمنح الأفراد الحرية لتحقيق أحلامهم. وتعدّ سياسات التعليم والتخطيط والإسكان حاسمة في هذا الصدد.
ويرتبط جزء من حلم الاندماج، بمدى سهولة انتقال الأفراد من جميع الخلفيات إلى الضواحي الراقية، مع تقدم حياتهم المهنية. لذلك، إذا انحرفت الأمور عن مسارها في قطاع بناء المساكن، فقد تفشل جهود الاندماج أيضاً.
كما أن صقل المهارات والتعليم من العوامل الحاسمة. فقد لاحظت ليز كيندال وزيرة العمل والمعاشات الجديدة في بريطانيا، أن واحداً فقط من بين كل 6 أشخاص يعملون في وظائف منخفضة الأجور، تمكن من الارتقاء إلى وظائف عالية الأجور، بعد عقد في سوق العمل. وهذا يشير إلى أن الشخص فور تخرجه، من غير المرجح أن يصبح ميسور الحال، ناهيك عن تحقيق ثروة، سواء كان والداه ولدا في نصف العالم الآخر أو في الجوار.
ومع توجه المزيد من البلدان نحو الهجرة لسد الفجوة في الرعاية الاجتماعية، يفضل العديد منها التأشيرات التي تقيد الأشخاص بإقامات قصيرة، مثل برامج ألمانيا للعمال غير المهرة، أو تجعل من المستحيل عليهم جلب عائلاتهم، مثل المملكة المتحدة.
فهل سيكون عامل الرعاية الذي ينتقل إلى بلد آخر بمفرده، ولديه تفاعلات محدودة خارج العمل، ويقضي معظم وقته في التحدث مع عائلته خارج البلاد، أكثر اندماجاً من شخص يرتاد أطفاله المدارس المحلية؟ ومن منظور نفعي بحت، هل تعتقد حقاً أن أي بلد قد تحقق نتائج أفضل إذا نشأ طفل الشخص المهاجر في مكان آخر، بدلاً من يصبح خريجاً على درجة عالية من الكفاءة في بلد والديه الجديد؟.
وهكذا، فإنه من خلال تبنّي سياسات قصيرة النظر، تخاطر الدول الغنية بمواجهة أسوأ النتائج على الإطلاق. ويظل شعور الناخبين بأنه لا يتخذ أي إجراء حيال مخاوفهم قائماً، في حين تضيع الدولة الفرص التي تتيحها المزايا الاجتماعية والاقتصادية من الاندماج.