منوعات

الخيط الذي يخنقنا ليعلمنا!

نعيش لنتعلم، ونستمر في الاستزادة من العلم بأن نبحث عنه، في الكتب، وعند الأصدقاء، وفي السفر، ومن خلال تجارب الحياة والعلاقة بالناس، ونتعلم من الشعر والسينما والأطفال، وكلما آمنا بأن على هذه الأرض ما يستحق الحياة فعلاً؛ ازددنا اقتناعاً بأن هناك شيئاً يستحق أن نسعى إليه، وننصت له، ونتعلم منه في كل مكان!

إشارات عديدة تمنحنا إياها الحياة لنكتشف ذواتنا أكثر مما كنا نفعل في شبابنا، في تلك السنوات التي كنا نعيشها كما لو أننا نعرف كل شيء، مع ذلك فنحن لم نكن نعرف حقيقتنا وطبيعتنا، كانت معرفتنا طفيفة أشبه بخيط صغير يرفرف حولنا، ولا يكاد يمس جلدنا، حتى نكبر كثيراً أو يحدث شيء ما يجعل ذلك الخيط ضاغطاً إلى درجة أنه قد يخنقنا، لكنه يكشف لنا ما كان خافياً، الخيط الذي يخنقنا هو الذي يعلمنا، كسكين تقشر جهلنا وغباءنا.

السينما والروايات تفعل كذلك ما يفعل العمر والتجارب والمصادفات وبعض البشر. في مقال البارحة تحدثت عن السينما وكيف تضعنا وجهاً لوجه أمام ذواتنا من خلال فيلم «ملك وكتابة»، أما اليوم فأقف منبهرة حقاً أمام فيلم «قطار الليل إلى لشبونة» هذا الفيلم البديع، الذي كان في الأساس رواية بالعنوان نفسه للكاتب الفيلسوف السويسري باسكال مرسييه، والذي يحكي فيه قصة يتمازج فيها الحب والسياسة والبحث عن الذات والمغامرة والشعر والتاريخ، من خلال رحلة عميقة يقطعها بطل الحكاية غريغوريوس عالم اللغات القديمة في جامعة برن السويسرية!

صدفة وربما أكثر من كونها صدفة تضعه أمام مفترق طريق، تجعله يعيد النظر في مجمل حياته، وتنقله في غمضة عين من حصته الدراسية إلى محطة القطارات مباشرة، ليستقل قطار المساء إلى مدينة لشبونة البرتغالية!

لكن لا القطار ولا المساء ولا لشبونة هي مقاصد الفيلم، لكنها الدعوة الحاسمة لنقطع تذكرتنا، ونغادر سريعاً بحثاً عما نسيناه فينا، عما أهملناه في أرواحنا، عن الإنسان الذي تركناه مهملاً كما فعل غريغوريوس، أستاذ اللغات الخمسيني، الذي انتهى به الأمر وحيداً مع كتبه في شقة فارهة، يلعب الشطرنج مع نفسه قبل أن تظهر فتاة الجسر في حياته ذلك الصباح، وتغير كل حياته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى