منوعات

شذراتُ المعلّم.. قراءة في فكر القائد

في لقطة رائعة تجمع بين قوة الصورة وعمق الفكرة، أطل علينا صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، مُمتطياً صهوة جواده لينثر على قُرّائه ومتابعي وَسْمِه «علّمتني الحياة» واحدة من أروع التدوينات التي هي خلاصة الخلاصات من تجارب سموه .

حيث يلتقط من كل موقف درساً وعبرة، ويصوغ ذلك في حكمة بديعة تستلهمها الأجيال، وتكون نبراساً يضيء الطريق أمام كلّ من يتلقّى هذا الإرث الأخلاقي الثمين الذي تجسّد عبر المسيرة الطويلة في حياة سموه في معركة البناء والإنجاز والارتقاء بالوطن والإنسان.

تستعيد هذه الإطلالة الثمينة صدى قصة رائعة هي القصة الرابعة عشرة من السيرة الذاتية لصاحب السمو (قصتي: 50 قصة في خمسين عاماً) التي كتبها بعنوان «الخيل الأولى».

والتي كانت هي قصة التحدّي الأولى في حياة صاحب السمو حين كلّفه والده المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه، بالمشاركة في سباق الخيل الأول في دبي حين كان في العاشرة من عمره، لكنّ طلب الوالد الكبير منحه شعوراً عميقاً بالمسؤولية أحسّ معه إنّه في عمر العشرين أو الثلاثين، ليختار بعد ذلك واحدة من خيله اسمها (سودا أمّ حَلَج) لكنها كانت تُعاني من إصابة في حافرها مما جعله أمام اختبار حقيقي لمعالجتها خلال ثلاثة شهور قبل انطلاق السباق الأول في دبيّ.

وكان لوالدته المغفور لها الشيخة لطيفة بنت حمدان آل نهيان الدور الأكبر في شحذ عزيمته، وتدريبه على العناية بهذه الخيل الموجوعة من خلال خبرتها العميقة في معالجة الخيل، فصبر سموه وصابر حتى شُفيت تماماً واشتركت في السباق بأداء بطولي فريد، فظلت هذه الذكرى عالقة في قلبه، ودوّنها على شكل قصة بديعة في سيرته الذاتية الرائعة، وجعلها درساً بليغاً في بناء العزيمة الماضية، وشحذ الهِمم نحو تحقيق المستحيل في مسيرة الحياة مهما كانت التحديات والصعوبات.

«تعلّمتُ من خيلي أنه عندما تُحبّ شيئاً واصل فيه حتى النهاية» بهذه اللغة الواثقة الحاسمة يفتتح صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد هذه الشذرة التربوية الفريدة، فيؤكد على أنّ الطريق الأوحد للنجاح هو الثبات في طريق العمل حتى النهاية، فحين يشرع الإنسان في أيّ عمل فإنّ واجبه الحقيقي هو عدم التردّد الذي يقطع طريق المواصلة، فحين تحبّ شيئاً يجب أن تواصل البذل في سبيل إنجازه حتى النهاية، فبذلك يتحقق الهدف ويتجسّد الحلم حقيقة ماثلة للعيان، وهذا نابعٌ من قوة التركيز، فإنّ الملتفت لا يصل.

«عندما تريد إنجازاً أعطِه كلّك، لا تُعطه بعضك إلا إذا كنتَ تريد نصف إنجاز، أو نصف انتصار» هذا المقطع الثمين من كلام صاحب السمو قليل عليه الكتابة بماء الذهب، فهو نابع من قلب عين الحكمة والبصيرة والعزيمة الباهرة ، وسموه يرشدنا إلى أن السبيل الوحيد لإنجاز جلائل الأعمال هو الإقبال الكلّي بالقلب والروح والعقل لكي تتفجّر الطاقة الإنسانية كاملة.

فهذا هو شأن الناظرين إلى أعمالهم بعين الكمال، فإذا انحرف مجال الرؤية، وتراخت القبضة عن مقبض العزم فإن النتيجة هي بقدر الجهد المبذول، فمن أراد انتصاراً كاملاً فعليه ببذل كلّ الجهد مع التركيز الكامل، ومن أراد أنصاف الحلول والإنجازات فهو سيحصد ثمرة إهماله وعدم تركيزه.

«نظِّمْ وقتك، واعرف أولوياتك، واستمتع بحياتك، واترك أثراً يدلّ عليك» في هذا المقطع الرائع من كلام صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد تنظيم دقيق للقوى العقلية والنفسية والطاقة المبدعة للإنسان، فمفتاح كل إنجاز هو السيطرة على الوقت، لأنّ الوقت هو الحياة، ومن تبدّد وقته تبدّد سعيه ولا بُدّ، فتنظيم الوقت هو مفتاح الإنجاز السديد، وترتيب الأولويات هو ثمرة العقل الناضج والفكر الرشيد.

كما أن سموه يجمع بين العمل الجاد وتنظيم الوقت والاستمتاع العميق بالحياة وهو ما يمنح الإنسان إحساساً صادقاً بالتوازن، ويدفعه نحو المزيد من الإنجاز الثمين الذي سيكون هو الأثر الدال على عمق حضوره في هذه الحياة.

«ولا تسمح أبداً لأي شخص بأن يسرق وقتك، لأنه يسرق حياتك» ولأنّ جميع ما سبق لا يمكن تحقيقه إلا من خلال الإحساس بقيمة الوقت في الحياة وأثره في الإنجاز، يحذّر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد من اللصوص الذين يسرقون الأوقات، ويدفعون الناس نحو دوّامة الفراغ، فيقول: لا تسمح لأحد أن يسرق وقتك، لأن الوقت هو الحياة، ومن يسرق وقتك فهو يسرق حياتك، والحياة الثمينة لا يجوز هدرها على طرقات الإهمال والكسل.

«الكلّ يجازف في سباق حياته، لكنّ أكبر مجازفة هي أن لا نجازف» وإذا كان لكلّ قلادة جوهرة ثمينة هي واسطة العقد، فإنّ هذه العبارة الأخيرة من كلام صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد هي واسطة العقد، حيث يدفع بالطاقة الإنسانية إلى أفق المغامرة والمجازفة للخروج من حالة الخوف والتردد، وامتلاك الجرأة التي تدفع إلى المجازفة واقتحام الصعاب، لأنّ أصعب المواقف التي تدمّر الطاقة الإنسانية هي التردد والخوف وعدم المجازفة نحو الإنجاز الصعب مهما كانت التحديات والصعوبات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى