الكويت إحدى أكثر الدول إيماناً بأهمية التنمية الحضرية المستدامة الصديقة للبيئة وتنمية المساحات الخضراء
في العام 1933 استضافت مدينة أثينا المؤتمر الرابع للمنظمة الدولية للعمارة الحديثة (C.I.A.M) الذي أنتج لاحقا ما يمكن وصفه بميثاق تصالح بين المدينة والطبيعة عرف آنذاك بـ (ميثاق أثينا).
وذلك الميثاق الذي نشره المعماري الفرنسي لو كوربوزييه في أعقاب الثورة الصناعية وتبعات الحربين العالميتين الأولى والثانية العام 1943 أسس للتوفيق بين التنظيم العمراني والحاجات الأساسية للإنسان وصنف (العنصر الأخضر) مادة رئيسية في مكونات التخطيط الحضري.
ومنذ ذلك التاريخ توالت الجهود العالمية لمواجهة التحديات البيئية غير المسبوقة لاسيما بعد أن بلغت مستويات خطيرة تهدد نظام الحياة الصحي حيث تجتمع الدول في كل عام منذ 1995 في مؤتمرات المناخ لصياغة خطط تصحيح المسار.
وتعد دولة الكويت إحدى أكثر الدول إيمانا بأهمية التنمية الحضرية المستدامة الصديقة للبيئة وتنمية المساحات الخضراء وبناء مصدات طبيعية لمقاومة زحف التصحر والتغيرات المناخية والتخفيف من حدة الانكشاف على أخطار الاحتباس الحراري.
وأكدت الكويت في أكثر من مناسبة التزامها الثابت بالقرارات والمبادرات الدولية والإقليمية والخليجية المرتبطة بالبيئة علاوة على إيلاء التعاون مع الأمم المتحدة ومنظماتها المعنية أهمية بالغة في تنفيذ مبادراتها البيئية المتنوعة.
وتعد ركيزة (بيئة معيشية مستدامة) التي تضمنتها رؤية (كويت جديدة 2035) أولوية أساسية لضمان استمرارية بيئة الكويت واستدامتها من أجل الأجيال، كما تسعى من خلالها إلى الإيفاء بتعهداتها البيئية أمام المجتمع الدولي.
وسعيا نحو فتح آفاق جديدة لمستقبل أخضر مستدام شرعت البلاد في تنفيذ مشاريع عدة بهذا الاتجاه والتخطيط لتنفيذ مشاريع واعدة لزيادة المسطحات الخضراء وتعزيز الغطاء النباتي وإقامة المحميات الطبيعية ودعم السياحة البيئية.
وترى الكويت أن الوصول إلى الحياد الكربوني خلال منتصف القرن الحالي سيؤثر إيجابا في مجال البيئة ويشرع أبوابا توفر فرصا اقتصادية ضخمة تعود بالنفع على الأجيال المقبلة وتسهم في تحقيق التنمية المستدامة.
وأعلنت الكويت خلال مشاركتها في مؤتمر قمة مبادرة الشرق الأوسط الأخضر بنسختها الثانية التي عقدت بمدينة شرم الشيخ نوفمبر 2022 التزامها الكامل بنتائج تلك المبادرة باعتبارها نقطة تحول مهمة لمنطقة الشرق الأوسط في العمل المناخي وأساسا للتعاون الإقليمي في مكافحة آثار تغير المناخ.
وفي قائمة أولويات برامج العمل وخطط التنمية التي اعتمدتها الحكومات الكويتية المتعاقبة يحتل الملف البيئي مرتبة متقدمة بهدف الحد من نسب الملوثات في البر والجو والبحر والتصدي لآثار تغير المناخ وحماية البيئة وصون مواردها.
ويعنى برنامج إيجاد مناطق معيشية متناغمة بيئيا الذي احتضنته خطة التنمية السنوية 2024/2025 بترشيد استخدام الموارد الطبيعية والتناغم مع البيئة بشكل يسمح باستدامة هذه الموارد وخفض نسب التلوث بما يسهم في رفع جودة حياة المواطنين.
وحدد البرنامج جملة سياسات لتحقيق هذه الأهداف على رأسها بناء مدن صديقة للبيئة وفق مبادئ المباني الخضراء والبنية التحتية الخضراء والتكنولوجيا الذكية وهي سياسة تنفذها حاليا الجهات المعنية بذلك.
وبغية تطوير التنمية الحضرية المستدامة يدعم المخطط الهيكلي الرابع لدولة الكويت 2040 فكرة المباني الخضراء لما تحدثه من تحولات إيجابية في تعزيز الحياة الصحية الأفضل للسكان.
كما يعمل مجلس الكويت للمباني الخضراء الذي انطلقت مبادرته العام 2009 على تسريع معدل التغيير في الكويت إلى بيئة مستدامة عبر نشر ثقافة البناء الأخضر وصولا إلى بيئة حضرية أكثر اخضرارا.
وتمضي الهيئة العامة لشؤون الزراعة والثروة السمكية الكويتية قدما في خططها الرامية إلى تنمية الغطاء الأخضر في البلاد وغرس أنواع جديدة من النباتات بموجب مسؤولياتها عن رعاية وتوسعة وتطوير التخضير والزراعة التجميلية.
وتمتد حملات التشجير التي أطلقتها الهيئة إلى الحدود الشمالية والجنوبية لزراعة الأشجار الملائمة للبيئة الكويتية إضافة إلى زيادة الرقعة الخضراء في الساحات العامة والطرقات بالتنسيق مع وزارات الدولة.
واعتمدت الهيئة خططا لإقامة الحواجز النباتية والصناعية وإعادة توزيع مناطق التحريج والمناطق الزراعية للسيطرة على تحركات الكثبان الرملية والتصحر وخفض نسب التلوث عبر زراعة نباتات تتحمل شح المياه وتمتاز بخضارها طوال السنة مثل شجرة القاف والسدر وكف مريم والصفصاف والأثل.
أما الحدائق العامة في الكويت فتشكل إحدى ركائز البيئة الخضراء إذ تتوزع حسب مساحتها بين حدائق صغيرة لا تتعدى الأربعة آلاف متر مربع وأخرى أكبر مساحة في الضواحي إضافة إلى المتنزهات التي قد تصل في الحجم إلى ما يقارب مساحة منطقة سكنية كاملة.
ووفق إحصائية أعلنتها هيئة الزراعة العام الماضي بلغ عدد الحدائق التي أنشأتها 179 حديقة بمساحة 993ر695ر2 مترا مربعا فيما بلغ إجمالي أعداد الأشجار التي تمت زراعتها نحو 149ر462 شجرة.
وبلغ عدد الشجيرات التي زرعتها الهيئة نحو 201ر120ر2 فيما بلغت مساحة الأزهار حوالي 109ر285 أمتار مربعة فيما بلغ عدد نخيل البلح قرابة 929ر14 نخلة ونخيل الزينة 942ر125 وبلغت مساحة النخيل 107ر217 أمتار مربعة.
وعبر جهود بذلتها الهيئة العامة للبيئة بدأت الكويت استزراع نبات القرم (المانغروف) منذ العام 2018 من خلال خطة تستهدف استزراع 18 ألف شتلة حتى عام 2035 باعتباره من النباتات القادرة على امتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون بكميات كبيرة.
كما عملت الهيئة على إعادة تأهيل المناطق الطبيعية والساحلية في الكويت للارتقاء بالوضع البيئي من خلال زراعة أشجار تلائم البيئة الكويتية.
وخصصت الكويت ميزانيات كبيرة لتشجير المدن السكنية وتطوير الزراعات التجميلية وتشجيع زراعة الأشجار ومصدات الرياح وتوزيع الأشجار على المزارعين والمواطنين والمدارس ضمن رؤى استراتيجية لمكافحة التصحر وزيادة رقعة الغطاء النباتي.
ودائما ما تشهد البلاد مبادرات وطنية مجتمعية للتشجير مدعومة من الجهات المختصة بحيث تسهم بفاعلية في تعزيز الوعي البيئي الزراعي بين أفراد المجتمع وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
ولاتزال الخطط الرسمية الطموحة والجهود المجتمعية الوطنية تتواصل لرعاية وتوسعة وتطوير التخضير والزراعة التجميلية على مستوى الدولة وزيادة أعداد المتنزهات والحدائق العامة تحقيقا للتوازن البيئي وتعزيزا للتنمية المستدامة وسيادة القيم الجمالية الحضارية.