وفي النفس شيء من «حتا»
ما يتذكره جيل السبعينات، وما قبل السبعينات، عن منطقة «حتا» هو أرضها الصخرية، وأوديتها التي تجري خلال مواسم الأمطار، وتجمعات المياه بين جبالها.
وتلك الرحلات التي كانوا يقومون بها إلى منطقة «حتا» في فصل الشتاء، والخيام التي كانوا ينصبونها للمبيت فيها، والتمتع بالطبيعة الجبلية الساحرة التي لم تكن تتوفر في مكان آخر من إمارة دبي غير «حتا».
هذه هي الصورة التي انطبعت في مخيلتي عن منطقة «حتا» الجميلة منذ الصغر.
في السابع من شهر نوفمبر 2016 أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، خطة تنموية شاملة لمنطقة «حتا» بقيمة إجمالية ناهزت ملياراً و300 مليون درهم، تسير وفق الأهداف المرسومة لها، بمشاركة مجموعة من الهيئات والجهات الحكومية التي تتولى تنفيذ سلسلة المشاريع والمبادرات المتضمنة في الخطة، والرامية إلى ترسيخ أسس التنمية المستدامة للمنطقة، ضمن عدد من القطاعات الحيوية.
في إطار العناية المستمرة بالاستثمار في بناء الإنسان وإمداده بما يلزمه من أوجه الدعم، لتمكينه من القيام بأدواره على الوجه الأكمل تجاه نفسه وأهله ووطنه. وقد ارتكزت الخطة على محاور ثلاثة؛ يتعلق أولها بالاقتصاد والخدمات، والثاني بالسياحة والرياضة، والثالث بالثقافة والتعليم.
منذ إطلاق خطة «حتا» التنموية توالت زيارات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، للمنطقة، حيث كان يطلع بنفسه على سير العمل في مشاريع تطويرها، ويعتمد المراحل المقبلة من المشاريع والمبادرات التطويرية، ويطلق المزيد منها.
كما توالت زيارات أنجاله الكرام، ومنها الزيارة التي قام بها سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع، في مستهل هذا العام، حيث اعتمد سموه حزمة من المشاريع في إطار الخطة التطويرية للمنطقة، وصرح حينها قائلاً:
«نصغي باهتمام إلى تطلعات أهل دبي واحتياجاتهم. ونسابق عقارب الساعة في تلبية متطلباتهم ومساعدتهم في تحقيق طموحاتهم.. ولدينا استراتيجيات تطوير وخطط عمل تنفّذها عشرات فرق العمل بروح الفريق الواحد.. وجودة الحياة في مُقدمة الأولويات».
كل هذا الاهتمام الذي حظيت به منطقة «حتا» من قبل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، وأنجاله الكرام، دفعني إلى زيارتها بعد غياب دام عقوداً من الزمن، فأدهشني ما شاهدته بعد هذا الغياب الطويل عنها، وغمرني إحساس بالتقصير لأن مشاغل الحياة تأخذنا إلى درجة أننا لا نفكر في زيارة مثل هذه الأجزاء الجميلة من وطننا.
في حين لا ينشغل الواحد منا عن التخطيط لقضاء إجازته السنوية في بلد أوروبي أو آسيوي أو غيره، لا يتفوق على مناطق دولتنا في شيء، بل لعل مناطق دولتنا تتفوق على تلك البلدان بأشياء كثيرة، خاصة في فصل الشتاء، حيث تتمتع بلادنا بشتاء دافئ ومعتدل، في الوقت الذي تغطي فيه الثلوج أغلب مناطق العالم، ويسود الصقيع دول الغرب والشمال.
أيام قليلة قضيتها في منطقة «حتا»، استدعت صوراً كثيرة لذكريات مضى عليها عقودٌ، تبدو الآن كأنها طيفٌ عابرٌ، لكن ما حدث خلال هذه العقود كبير وكثير إلى درجة تستدعي الإعجاب والدهشة.
ربما يقول البعض إن هذا الحديث في غير وقته، حيث تمر منطقة «حتا» الجبلية، مثلها مثل سائر مناطق الإمارات الأخرى، بصيفٍ شديد الحرارة، لكنني أقول إن لكل موسم سياحته التي تناسب درجة حرارته، وفي «حتا» من الأماكن والمناشط والفعاليات ما يجعل الحديث عنها مناسباً في كل الأوقات، تماماً كما أن في الإمارات مناطق جديرة بالزيارة في مختلف فصول العام.
يقضي الكثيرون هذه الأيام إجازاتهم في بلدان تتمتع بطقسٍ لطيفٍ في هذا الوقت من العام، لكنهم لو تصوروا حجم الثلوج التي تهطل على البلدان التي يقضون فيها إجازاتهم الآن، وكيف تتجمع فوق أسطح المنازل فيها وفي شوارعها، فتطمس كل أثرٍ عليها في فصل الشتاء، لعرفوا قيمة الطقس اللطيف الذي تتمتع به مناطق بلدنا في ذلك الفصل من العام.
أختم وفي النفس شيءٌ من «حتا» التي لم تكشف لنا كل أسرارها بعد، تماماً مثل «حتى» التي قال النحاة إنهم يموتون وفي نفسهم شيءٌ منها، لأنها لم تكشف لهم هي الأخرى كل أسرارها.