منوعات

رمزية الرائحة في الأدب والسينما

«العطر» لباتريك زوسكند و«روائح المدينة» للتونسي حسين الواد، من أمتع وأهم الأعمال الروائية التي وظفت موضوع الرائحة بطريقة استثنائية، بالنسبة لرواية «العطر»، فإن زوسكند جعل بطل روايته «جون باتيست جرونوي» يمتلك قدرة غير طبيعية على شم رائحة الجميع من مسافة أميال، في الوقت الذي جعله شخصاً عديم الرائحة، فقرر أن يصنع لنفسه رائحة لا شبيه لها بين البشر من جلود الفتيات الصغيرات العذراوات، لأنه اعتبر أن رائحتهن هي أنقى وأروع رائحة في العالم!

أما في «روائح المدينة» فقد جعل حسين الواد للفساد روائح تفضح الفاسدين وتزكم أنوف الناس وتجعل المدينة مكاناً لا يطاق، عبر حكاية رجل وأبنائه تتضخم مكانتهم وثرواتهم ونفوذهم بالفساد والكذب والجهل والرياء والسرقة و…، ولكل رذيلة من هذه رائحة فاسدة لا تحتمل!

ومثل هذين العملين هنالك أعمال كثيرة تناولت الرائحة كمعطى رمزي لمعالجة الكثير من المسائل والظواهر التي لا يمكن مقاربتها أحياناً بسبب حساسيتها أو تماسها مع المحظور السياسي مثلاً كرواية «تلك الرائحة» لصنع الله إبراهيم، فقد ارتبطت الرائحة في روايته، بالسجن والاعتقال وغرف الإيقاف، التي ترده وتذكره دائماً لرائحة العفونة والنتانة!

أما في السينما، فإن أفضل من وظف الرائحة برمزية عالية هو الكوري يونج جون، مخرج فيلم (الطفيلي). والطفيليون في الفيلم هم عائلة معدمة تعيش على بقايا عائلة ثرية جداً، أما الأزمة بينهما فكانت في الرائحة الكريهة التي دائماً ما يشمها رب العائلة الثرية صادرة من هؤلاء كلما اقتربوا منه، ورغم محاولاتهم الحثيثة للخلاص منها لتتقبلهم العائلة إلا أن المحاولات كلها باءت بالفشل. استخدموا الصابون والمنظفات، وغيروا مكان سكنهم، غيروا ملابسهم… إلا أن الثري كان دائماً ما يمسك بأنفه إذا أقبلوا نحوه…

في نهاية الفيلم يقول رب الأسرة الفقيرة إن رائحتهم لن تتغير، لأن المشكلة ليست في رائحة أجسادهم، بل هي رائحة الفقر التي تلازمهم، وهذا يعني نظرة الأغنياء للفقراء، تلك النظرة هي التي لن تتغير، لإنهم مهما فعلوا سيظلون دائماً أصحاب روائح لا تطاق بالنسبة للأغنياء! الفيلم حاز أربع جوائز أوسكار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى