مقعدان دائمان لأفريقيا بمجلس الأمن.. مقترح جدي أم مناورة أميركية؟
تدعو دول عديدة منذ سنوات إلى إصلاح هيكلية مجلس الأمن الدولي، في ظل إخفاق آليته الراهنة في ملفات عديدة تهدد السلم والأمن الدوليين، وأعربت الولايات المتحدة عن دعمها لمقترح منح مقعدين دائمين بالمجلس للدول الأفريقية.
وأحدث هذه الملفات هي الحرب التي تشنها إسرائيل بدعم أميركي على قطاع غزة منذ عام، والتي خلفت أكثر من 137 ألف شهيد وجريح فلسطيني، وما يزيد على 10 آلاف مفقود.
وفي ظل هذه الحرب، تصاعدت الانتقادات للأمم المتحدة والدعوات إلى إصلاح مجلس الأمن، فأعربت الولايات المتحدة عن دعمها لمقترح باستحداث مقعدين دائمين في المجلس للدول الأفريقية.
ويتألف المجلس من 15 عضوا هم 10 دول يتم انتخابها دوريا و5 دول دائمة العضوية تمتلك سلطة النقض (الفيتو)، وهي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والصين وروسيا.
والمجلس هو المؤسسة الوحيدة التي لها سلطة اتخاذ قرارات تلتزم بتنفيذها الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة (193 دولة)، بموجب المادة 23 من ميثاق المنظمة الدولية.
ويوم 12 سبتمبر/أيلول الجاري، أعلنت الولايات المتحدة أنها ستدعم إضافة مقعدين دائمين للدول الأفريقية في مجلس الأمن وأول مقعد غير دائم للدول الجزرية الصغيرة.
وتسعى واشنطن، وفق تقارير إعلامية، إلى إصلاح علاقتها مع أفريقيا، إثر تضرر صورتها جراء دعمها لإسرائيل في حربها على غزة، وكذلك إلى تعزيز العلاقات مع دول جزر المحيط الهادي لمواجهة النفوذ الصيني في المنطقة.
ويرى خبير مغربي أن مقترح واشنطن يهدف إلى منح المقعدين لدول أفريقية حليفة لتقوية النفوذ الأميركي في سياق صراع مع قوى أخرى.
بينما أشاد أكاديمي مغربي بالمقترح، مشددا على أنه توجد دول أفريقية يمكن أن يكون لها حضور في المجلس، مثل جنوب أفريقيا ومصر وإثيوبيا ونيجيريا والمغرب.
تقوية نفوذ
وقال الخبير المغربي في العلاقات الدولية محمد شقير إن المقترح الأميركي يأتي في سياق مطالب دول عديدة، مثل البرازيل والهند، بإصلاح مجلس الأمن.
ويرى أن الولايات المتحدة تحاول تقوية نفوذها في القارة، خاصة بعد انسحاب فرنسا من مناطق عدة، وأضاف أن هناك اهتماما من واشنطن بضمان وجود حلفاء في القارة، ولذلك فمقترح المقعدين يأتي في سياق الصراع بين الدول الكبرى، فواشنطن تريد استقطاب دول أفريقية إلى جانبها.
وأردف أنه بدلا من أن تنتظر دول القارة التداول في العضوية بين الدول، سيكون لها مقعدان مما سيتيح لها الوجود بالمجلس وإقرار هذا الاقتراح مرتبط بميزان القوى بين الدول القوية، في ظل وجود مقترحات أخرى.
معايير الاختيار
أما أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة عبد المالك السعدي بطنجة محمد العمراني بو خبزة فقال إن هذا المقترح جاء في سياق استبعاد أفريقيا سابقا من التمثيلية الدولية من جهة، وصعود قوى أفريقية من جهة ثانية.
واعتبر بو خبزة أن مقترح المقعدين مهم بالنظر إلى وجود دول أفريقية يمكن أن يكون لها حضور في مجلس الأمن، مثل جنوب أفريقيا ومصر وإثيوبيا ونيجيريا والمغرب.
ولفت إلى وجود نقاش حول أن تحصل أفريقيا على مقعدين بدون فيتو أو مقعد واحد بحق الفيتو.
ورجح أن المقترح الأميركي سيحاول التركيز على مجموعة من المعايير لاختيار من يشغل المقعدين، سواء من ناحية حجم الدول أو قوتها أو مدى قدرتها على تمثيل القارة.
وشدد بو خبزة على أن قدرة الدولة على تمثيل القارة هو أحد أبرز المعايير، خاصة إذا كانت منخرطة في القضايا المرتبطة بالقارة.
واعتبر أن المغرب استطاع أن يفرض نفسه بوصفه دولة صاعدة على المستوى القاري والدولي، بفضل انخراطه في الملفات ذات الصلة بالأمم المتحدة، وهو ثاني أكبر مستثمر في القارة الأفريقية، ويحظى بدعم دولي وعلاقة قوية مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين.
أما شقير فاعتبر أن الدول الأفريقية المرشحة لنيل المقعدين هي مصر وجنوب أفريقيا والمغرب ونيجيريا والجزائر، فهذه الدول قوية وفاعلة على المستوى القاري.
ووفق دول عديدة، فإن الإصلاح المطلوب لا يقتصر فقط على أن يصبح المجلس أكثر تمثيلا للدول النامية وعلى رأسها الدول الأفريقية، بل يشمل أيضا أساليب عمل المجلس واستعمال الفيتو والتفاعل بين المجلس وبقية الهيئات الأممية.
وثمة مقترحات أخرى متداولة، بينها زيادة سلطة الجمعية العامة للأمم المتحدة وتقليل تأثير مجلس الأمن، عبر إلغاء “الفيتو” تماما واعتماد آلية لقبول مشاريع القرارات بأغلبية الثلثين.
ولا بد أن هذه المقترحات ستخضع لنقاشات عديدة خلال اجتماعات الدورة الـ79 للجمعية العامة للأمم المتحدة، التي بدأت أول أمس الثلاثاء وتستمر حتى 30 سبتمبر/أيلول الجاري.