سياسة

خبراء يقيّمون رد موسكو على استهداف أوكرانيا مطارا عسكريا روسيا

موسكو- كما كان متوقعا، ردت روسيا على ضرب أوكرانيا لمطار تاغانروغ العسكري بصواريخ “أتاكمس” بقصف هائل للبنية التحتية للطاقة الأوكرانية، نجم عنه انقطاع التيار الكهربائي في نصف البلاد تقريبا وفق المصادر الروسية.

وتحدثت وسائل إعلام روسية وأوكرانية على حد سواء عن تضرر محطتي بورشتينكا وبريدنيبروفسكايا للطاقة الحرارية ومحطات رئيسية وفرعية في أوديسا ودنيبروبيتروفسك وترنوبل وإيفانو فرانكيفسك ولفوف ومناطق أخرى، وتعطل نتيجة لذلك عدد كبير من خطوط الكهرباء في أنحاء مختلفة من البلاد.

ووفق مراقبين روس، فإن الضربات على المحطات الفرعية المرتبطة بمحطات الطاقة النووية كانت الأكثر خطورة، لأنه عندما يتم ضربها، يضطر الكهربائيون إلى إيقاف الوحدات النووية في وضع يدوي طارئ، وهو أمر ضار للغاية بالمعدات.

وفي حين قال الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي إن روسيا أطلقت 93 صاروخا و200 طائرة مسيرة، تم إسقاط 81 صاروخا، بما في ذلك 11 تم تدميرها بفضل مقاتلات إف-16 التي تسلمتها كييف من الغرب، ذكرت قناة “ماش” الروسية على صفحتها في تليغرام أنه تم استخدام ما لا يقل عن 120 صاروخا.

أما السفيرة الأميركية لدى أوكرانيا، بريدجيت برينك، فوصفت الهجوم بأنه “وابل” من الصواريخ الروسية التي استهدفت أنظمة الطاقة وشبكات النقل والمرافق الرئيسية في جميع أنحاء البلاد.

وأدت الضربة العنيفة التي وجهتها روسيا إلى اضطرار كييف لطلب استيراد الكهرباء بحجم يزيد على 13 ألف ميغاوات في الساعة من 5 دول مجاورة، هي بولندا ورومانيا وسلوفاكيا والمجر ومولدوفا.

ضوء أخضر

ويأتي الهجوم الروسي بعد يومين فقط من توعد المتحدث باسم الرئاسة الروسية، ديمتري بيسكوف، بأن روسيا سترد على الهجوم الأوكراني على مطار تاغانروغ بالوقت والطريقة المناسبين.

وقالت وزارة الدفاع الروسية إن القوات المسلحة الأوكرانية أطلقت 6 صواريخ “أتاكمز” أميركية بعيدة المدى على مطار تاغانروغ. وبحسب الوزارة، تم إسقاط اثنين منها باستخدام منظومة “بانتسير”، وتم التصدي لعدد آخر باستخدام وسائل الحرب الإلكترونية، وتوعدت باتخاذ إجراءات انتقامية ردا على هذا الهجوم.

وفي الشهر الماضي، حصلت أوكرانيا على إذن من الولايات المتحدة باستخدام صواريخ بعيدة المدى لضرب العمق الروسي. وأفادت وزارة الدفاع الروسية بأن الهجمات الأولى باستخدام نظام “أتاكمز” جاءت في 19 و23 و25 من الشهر المنصرم ضد أهداف عسكرية في منطقتي بريانسك وكورسك.

وردا على ذلك، أطلقت موسكو صاروخ “أوريشنيك” الباليستي متوسط المدى على مؤسسة صناعية عسكرية في نهر دنيبر، بعد سماح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشن هجمات على مراكز صنع القرار في حال استمرار هجمات القوات الأوكرانية باستخدام أسلحة غربية.

ويفسر محلل الشؤون العسكرية، يوري كنوتوف، استهداف منشآت الطاقة لأنها تسهم في تلقي جزء كبير من تدفقات الطاقة من الدول الأوروبية المجاورة، وبالتالي تم حرمان أوكرانيا من فرصة “الاتكاء” على أكتاف جيرانها، أو على الأقل التقليل من هذه الفرصة، لأن عملية إصلاح هذه البنية التحتية ستستغرق الكثير من الوقت لاستعادة الوضع السابق، وسيتعين على مكتب زيلينسكي التحرك نحو قرارات صعبة إلى حد ما.

ويتابع كنوتوف، في حديث للجزيرة نت، أنه سيكون هناك تأثير ملموس على الحياة اليومية للسكان ليسوا مستعدين بشكل كامل له، متوقعا زيادة في عدم الرضا بين المواطنين الذين قد يبدؤون في طرح أسئلة غير مريحة على الحكومة، حسب تعبيره.

ويضيف أن ذلك سيؤدي إلى تدهور توليد الكهرباء في أوكرانيا، وقد تتمكن بعض الضربات الإضافية على البنية التحتية الحيوية إلى تقسيم البلاد إلى عدة جزر طاقة منفصلة، وسيصبح من المستحيل اتباع سياسة موحدة للتحكم في الاستهلاك.

أما بخصوص الجوهر العسكري للرد على الهجوم على تاغانروغ، فيوضح المتحدث بأنه خالف تقديرات وتوقعات المحللين الغربيين الذين توقعوا أن تشهد أوكرانيا ضربة “أوريشنيك” جديدة.

انتقام مدروس

بدوره، يشير المختص في الشؤون الإستراتيجية، أركادي سيميبراتوف، إلى أن العملية تشير إلى حرص القيادة العسكرية الروسية على التحقق بشكل واضح من كل طلقة أو صاروخ في إطار الصراع، بحيث يكون الغرض منه واضحا ومبررا.

ويلفت سيميبراتوف إلى أن القصف الروسي الأخير لأراضي أوكرانيا ليس الأوسع من نوعه منذ بداية الصراع لكنه من أكثرها فعالية، وسيتبعه طلب أوكراني من الغرب لتزويدها بالمزيد من أنظمة الدفاع الجوي. وبرأيه فإن مثل هذه الطلبات تُسمع في كل مرة بعد الضربات الضخمة التي تشنها القوات الروسية، لكن من غير المرجح أن يتلقوا هذه المرة مساعدات كافية.

ويتوقع أن تستمر الهجمات الأوكرانية ذات “العيار الثقيل” ضد روسيا قبل تولي الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، وفي هذه الحالة ستواصل روسيا الضغط على نظام الطاقة الأوكراني بقدر ما تستطيع لإيصال رسالة إلى الإدارة الأميركية مفادها أن أوكرانيا قد دمرت بالفعل.

وبخصوص وعد ترامب بإحضار روسيا وأوكرانيا إلى طاولة المفاوضات وإنهاء الحرب، يرى المتحدث وجود دلائل على أن روسيا تريد التفاوض ولكن فقط ضمن شروط مقبولة بالنسبة لها.

ولتأكيد هذه الفكرة، ذكّر سيميبراتوف باستخدام روسيا صاروخ “أوريشنيك” الفرط صوتي في ضرب مصنع “يوجماش” بمدينة دنيبرو في 22 نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم، كوسيلة لرفع الرهانات وتهديد الغرب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى